فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ الله مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا} الآية. لا تنتصحوا اليهود والنصارى عن دينكم، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا} الآية. يقول: إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردوكم كفارًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب. أنه سئل عن هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم} التعرب؟ فقال علي: بل هو الزرع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: ألا أخبركم بالمرتد على عقبيه، الذي يأخذ العطاء ويغزو في سبيل الله، ثم يدع ذلك ويأخذ الأرض بالجزية والرزق. فذلك الذي يرتد على عقبيه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (151):

قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}

.اللغة:

{سلطانا} حجة وبرهانا وأصله القوة ومنه قيل للوالي سلطان.
{مثوى} المثوى: المكان الذي يكون مقر الإنسان ومأواه، من قولهم ثوى بالمكان إذا أقام فيه.
{تحسونهم} تقتلونهم، قال الزجاج: الحسق الإستئصال بالقتل وأصله الضرب على مكان الحس.
{تصعدون} الإصعاد: الذهاب والإبعاد في الأرض، والفرق بينه وبين الصعود أن الإصعاد يكون في مستوى من الأرض، والصعود يكون في ارتفاع.
{لا تلوون} أي لا تلتفتون إلى أحد كما يفعل المنهزم وأصله من لي العنق للإلتفات.
{أخراكم} آخركم.
{أثابكم} جازاكم.
{أمنة} أمنا واطمئنانا.
{يغشى} يستر ويغطي.
{وليمحص} التمحيص: التنقية وتخليص الشيء مما فيه من عيب.
{استزلهم} أوقعهم في الزلة وهي الخطيئة.
{غزى} جمع غاز وهو الخارج في سبيل الله للجهاد. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الرعب} بضمتين حيث كان: ابن عامر وعلي ويزيد وسهل ويعقوب.
الباقون: يسكون العين- {ومأواهم} وبابه بغير همز: أبو عمرو غير شجاع ويزيد والأعشى والأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف.
{ولقد صدقكم} وبابه بإدغام الدال في الصاد: حمزة وعلي وخلف وأبو عمرو وهشام وسهل {وتغشى} بتاء فوقانية وبالإمالة: حمزة وعلي وخلف. الباقون: بياء الغيبة {كله} بالرفع: أبو عمرو وسهل ويعقوب. الباقون: بالنصب {يعملون بصير} بياء الغيبة: ابن كثير وعباس وعلي وخلف وحمزة. الباقون: بالخطاب {متم} و{متنا} بكسر الميم من مات يمات حيث كان: نافع وعلي وحمزة وخلف وافق حفصًا إلاهاهنا لجوار {قتلتم} الباقون: بضم الميم من مات يموت.
{يجمعون} بياء الغيبة: حفص والمفضل وسائر القراء بتاء الخطاب.

.الوقوف:

{سلطانًا} ج لعطف المختلفتين {النار} ط {الظالمين} o {بإذنه} ج لأن حتى تحتمل انتهاء الحس، ووجه الابتداء أظهر لاقتران إذا مع حذف الجواب أي إذا فعلتم وفعلتم انقلب الأمر ويمنعكم نصره. والوقف على {تحبون} ظاهر في الوجهين.
{الآخرة} ج لأن ثم لترتيب الأخبار وقيل لعطف {صرفكم} على الجواب المحذوف.
{ليبتليكم} ج {عفا عنكم} ط {المؤمنين} o {أصابكم} ط {تعملون} o {طائفة منكم} (لا) لأن الواو للحال.
{الجاهلية} ط {من شيء} ط {لله} ط {يبدو لك} ط {هاهنا} ط {مضاجعهم} ج لأن الواو مقحمة أو عاطفة على محذوف أي لينفذ الحكم فيكم.
{وليبتلي} {ما في قلوبكم} ط {الصدور} o {الجمعان} (لا) لأن إنما خبر إن {كسبوا} ج لاحتمال الواو حالًا واستئنافًا {عنهم} ط {حليم} o {وما قتلوا} ج لأن لام {يجعل} قد يتعلق بقوله: {وقالوا لإخوانهم} أو بمحذوف أي ذلك ليجعل {في قلوبهم} ط {ويميت} ط {بصير} o {تجمعون} o {تحشرون} o {لنت لهم} ج لأن الواو للعطف ولو للشرط {من حولك} ص والوصل أولى ليعطف الأمر بالرحمة على النهي عن الغلظة تعريضًا {الأمر} ج لفاء التعقيب مع إذا الشرطية {على الله} ط {المتوكلين} o {لكم} ج لابتداء شرط آخر مع الواو {من بعده} ط {المؤمنون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{سنلقي} أي بعظمتنا {في قلوب الذين كفروا الرعب} أي المقتضي لامتثال ما أمر به من الجرأة عليهم وعدم الوهن في أمرهم، كما افتتح القصة بالإيماء إلى ذلك بالأمر بالسير في الأرض والنظر في عاقبة المكذبين، ثم بين سبب ذلك فقال: {بما أشركوا بالله} أي ليعلموا قطعًا أنه لا ولي لعدوه لأنه لا كفوء له، وبين بقوله: {ما لم ينزل} أي في وقت من الأوقات {به سلطانًا} أنه لا حجة لهم في الإشراك، وما لم ينزل به سلطانًا فلا سلطان له، ومادة سلط ترجع إلى القوة، ولما كان التقدير: فعليهم الذل في الدنيا لاتباعهم ما لا قوة به، عطف عليه: {ومأواهم النار} ثم هوّل أمرها بقوله: {وبئس مثوى الظالمين} أي هي، وأظهر في موضع الإضمار للتعميم وتعليق الحكم بالوصف. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية من تمام ما تقدم ذكره، فإنه تعالى ذكر وجوها كثيرة في الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار، ومن جملتها ما ذكر في هذه الآية أنه تعالى يلقي الخوف في قلوب الكفار، ولا شك أن ذلك مما يوجب استيلاء المسلمين عليهم. اهـ.

.قال القرطبي:

والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام؛ قال الله تعالى: {وَأَلْقَى الألواح} [الأعراف: 150] {فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} [الشعراء: 44] {فألقى موسى عَصَاهُ} [الشعراء: 45].
قال الشاعر:
فألقَتْ عصاها واستقر بها النَّوَى

ثم قد يستعمل مجازًا كما في هذه الآية، وقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} وألقى عليك مسألة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والإلقاءُ حقيقته رمي شيء على الأرض {فألقوا حبالهم وعصيّهم} [الشعراء: 44]، أو في الماء {فألقِيه في اليمّ} [القصص: 7] ويطلق على الإفضاء بالكلام {يُلقُون السمع} [الشعراء: 223] وعلى حصول الشيء في النفس كأنّ ملقيًا ألقاه أي من غير سبق تهيّؤ {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} [المائدة: 64] وهو هنا مجاز في الجعل والتَّكوين كقوله: {وقذف في قلوبهم الرعب} [الأحزاب: 26]. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن عامر والكسائي {الرعب} بضم العين، والباقون بتخفيفها في كل القرآن، قال الواحدي: هما لغتان، يقال: رعبته رعبا ورعبا وهو مرعوب، ويجوز أن يكون الرعب مصدرا، والرعب اسم منه. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
ظاهر قوله: {سَنُلْقِى في قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} يقتضي وقوع الرعب في جميع الكفار، فذهب بعض العلماء إلى اجراء هذا العموم على ظاهره، لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه ضرب من الرعب من المسلمين، إما في الحرب، وإما عند المحاجة.
وقوله تعالى: {سَنُلْقِى في قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} لا يقتضي وقوع جميع أنواع الرعب في قلوب الكفار، إنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة في قلوبهم من بعض الوجوه، وذهب جمع من المفسرين إلى أنه مخصوص بأولئك الكفار. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والرعب: الفزع من شدّة خوف، وفيه لغتان الرعْب بسكون العين والرعُب بضم العين وقرأه الجمهور بسكون العين وقرأه ابن عامر، والكسائي بضم العين.
والبَاء في قوله: {بما أشركوا بالله} للعِوض وتسمّى باء المقابلة مثل قولهم: هذه بتلك، وقوله تعالى: {جزاء بما كسبا} [المائدة: 38]، وهذا جزاء دنيوي رتّبهُ الله تعالى على الإشراك به، ومن حكمته تعالى أن رتّب على الأمور الخبيثة آثارًا خبيثة، فإنّ الشرك لمّا كان اعتقاد تأثير من لا تأثير له، وكان ذلك الاعتقاد يرتكز في نفوس معتقديه على غير دليل، كان من شأن معتقده أن يكون مضطرِب النَّفس متحيّرًا في العاقبة في تغلّب بعض الآلهة على بعض، فيكون لكلّ قوم صَنم هم أخصّ به، وهم في تلك الحالة يعتقدون أنّ لغيره من الأصنام مثل ما له من القدرة والغيرة.
فلا تزال آلهتهم في مغالبة ومنافرة.
كمَا لا يزال أتباعهم كذلك، والَّذين حالهم كما وصفنا لا يستقرّ لهم قرار في الثِّقة بالنَّصر في حروبهم، إذ هم لا يدرون هل الربح مع آلهتهم أم مع أضدادها، وعليه فقوله: {ما لم ينزل به سلطانًا} صلة أجريت على المشرك به ليس القصد بها تعريف الشركاء، ولكن قصد بها الإيماء إلى أنه من أسباببِ إلقاء الرعب في قلوبهم، إذ هم على غير يَقين فيما أشركوا واعتقدوا، فقلوبهم وَجِلة متزلزلة، إذ قد علم كلّ أحد أن الشركاء يَستحيل أن ينزل بهم سلطان.
فإن قلتَ: ما ذكرتَه يقتضي أنّ الشرك سبب في إلقاء الرعب في قلوب أهله، فيتعيّن أن يكون الرعب نازلًا في قلوبهم من قبل هذه الوقعة، والله يقول: {سنلقي} أي في المستقبل، قلت: هو كذلك إلاّ أنّ هذه الصّفات تستكنّ في النفوس حتَّى يدعو داعي ظهورها، فالرعب والشجاعة صفتأن لا تظهران إلا عند القتال، وتقويان وتضعفان، فالشجاع تزيد شجاعته بتكرّر الانتصار، وقد ينزوي قليلًا إذا انهزم ثُمّ تعود له صفته سرعَى.
كما وصفه عمرو بن الإطْنابَةِ في قوله:
وقَوْلي كُلَّمَا جَشَأتْ وجَاشَتْ ** مَكَانَككِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحِي

وقول الحُصَيْنِ بن الحُمَام:
تَأخَّرْتُ أسْتَبْقِي الحياة فلم أجدْ ** لِنَفْسِي حَيَاة مثلَ أنْ أتَقدّمَا

وكذلك الرعب والجبن قد يضعف عند حصول بارقة انتصار، فالمشركون لما انهزموا بادِئ الأمر يومَ أُحُد، فُلَّت عزيمتهم، ثُمّ لمّا ابتلَى الله المؤمنين بالهزيمة راجعَهم شيء من الشجاعة والازدهاء، ولكنّهم بعد انصرافِهم عَاوَدَتْهم صفاتهم، (وتأبَى الطِبَاعُ عَلى الناقل).
فقوله: {سنُلقي} أي إلقاءَ إعادةِ الصفة إلى النُّفوس، ولك أن تجعل السين فيه لمجرّد التَّأكيد أي ألقينا ونُلقي، ويندفع الإشكال.
وكثير من المفسِّرين ذكروا أنّ هذا الرعب كانت له مظاهر: منها أنّ المشركين لمَّا انتصروا على المسلمين كان في مكنتهم أن يوغلوا في استئصالهم إلاّ أنّ الرعب صدّهم عن ذلك، لأنَّهم خافوا أن تعود عليهم الهزيمة، وتدور عليهم الدائرة، ومنها أنَّهم لمَّا انصرفوا قاصدين الرجوع إلى مكَّة عنّ لهم في الطريق ندم، وقالوا: لو رجعنا فاقتفينا آثار محمد وأصحابه، فإنّا قتلناهم ولم يبق إلاّ الفَلّ والطَّريد، فلْنرجع إليهم حتَّى نستأصلهم، وبلغ ذلك النَّبيء صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى لقائهم، فانتدبوا، وكانوا في غاية الضعف ومثقّلين بالجراحة، حتَّى قيل: إنّ الواحد منهم كان يحمل الآخر ثمّ ينزل المحمول فيحمل الَّذي كان حامله، فقيّض الله مَعْبَد بنَ أبي مَعْبَد الخُزَاعي وهو كافر فجاء إلى رسول الله فقال: إنّ خزاعة قد ساءها ما أصابك ولوَدِدْنا أنك لم تُرزأ في أصحابك ثُمّ لحق معبد بقريش فأدركهم بالرّوْحَاء قد أجمعوا الرجعة إلى قتال المسلمين فقال له أبو سفيان: ما وراءَك يا معبد، قال: محمد وأصحابه قد خرجوا يطلبونكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرّقون عليكم، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه، فقال: ويلك، ما تقول؟ قال: ما أرى أنك ترتحلُ حتَّى ترى نواصي الخيل ولقد حملني ما رأيت منه على أن قلتُ فيه:
كَادَت تُهَدّ من الأصوات راحلتي ** إذْ سالت الأرض بالجُرْد الأبابيلِ

تَرْدِي بأسْدٍ كرامٍ لا تَنابِلَةٍ ** عند اللِّقاء ولا مِيلٍ مَعَازِيلِ

فَظَلْتُ أعْدُو وأظُنّ الأرض مائلة ** لمّا سَمَوا برَئيس غير مخذولِ

فوقع الرّعب في قلوب المشركين وقال صفوان بن أميَّة: لا ترجعوا فإنِّي أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الَّذي كان. اهـ.

.قال الألوسي:

{سَنُلْقِى في قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} كالبيان لما قبل، وعبر بنون العظمة على طريق الالتفات جريًا على سنن الكبرياء لتربية المهابة، والسين لتأكيد الإلقاء، و{الرعب} بسكون العين الخوف والفزع أي سنقذف ذلك في قلوبهم، والمراد من الموصول أبو سفيان وأصحابه، فقد أخرج ابن جرير عن السدي قال: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق ثم إنهم ندموا فقالوا: بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوا فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا أعرابيًا فجعلوا له جُعْلًا فقالوا له إن لقيت محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخبرهم بما قد جمعنا لهم فأخبر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فأنزل الله تعالى في ذلك هذه الآية يذكر فيها أمر أبي سفيان وأصحابه، وقيل: إن الآية نزلت في يوم الأحزاب، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالرعب على العدو»، وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي أمامة «نصرت بالرعب مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي»، وقرئ {سيلقى} بالياء، وقرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي {كَفَرُواْ الرعب} بضم العين وهي لغة فيه، وقيل: الضم هو الأصل والسكون للتخفيف، وقيل: الأصل السكون والضم للإتباع. اهـ.